بسبب خلافات حول حرية التعبير.. منظمات أوروبية تتهم إدارة ترامب بقمع عابر للحدود
بسبب خلافات حول حرية التعبير.. منظمات أوروبية تتهم إدارة ترامب بقمع عابر للحدود
دخلت العلاقات الحقوقية بين الولايات المتحدة وأوروبا مرحلة توتر جديدة، بعد أن انتقدت مديرتا منظمة حقوق الإنسان الألمانية هيت إيد قرار واشنطن فرض حظر دخول عليهما، ووصفتا الخطوة بأنها عمل قمعي يستهدف إسكات الأصوات المنتقدة لسياسات الحكومة الأمريكية، ويأتي هذا التصعيد في سياق أوسع من الخلافات المتزايدة حول حرية التعبير، وتنظيم المحتوى الرقمي، وحدود النفوذ الأمريكي خارج أراضيه.
واعتبرت مديرتا المنظمة، يوزفين بالون وآنا لينا فون هودنبرج، أن القرار الأمريكي لا يثير الدهشة، بل ينسجم مع نهج سياسي متصاعد يتجاهل سيادة القانون ويسعى إلى إخراس المدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي ردهما على استفسار من وكالة الأنباء الألمانية نشر الأربعاء، أكدتا أن الحكومة الأمريكية باتت تستخدم كل ما لديها من أدوات للضغط على منتقديها، حتى لو كان ذلك عبر إجراءات تمس حرية التنقل والعمل الدولي.
وترى المديرتان أن ما جرى لا يمكن فصله عن سياق أوسع من التضييق على المنظمات المستقلة، خاصة تلك التي تعمل على قضايا حساسة تتعلق بخطاب الكراهية والمساءلة الرقمية للشركات الكبرى.
تصعيد يمس السيادة الأوروبية
بحسب بالون وفون هودنبرج، فإن الخطوة الأمريكية تمثل مرحلة جديدة من التصعيد السياسي، تتجاوز استهداف أفراد بعينهم إلى التشكيك في السيادة الأوروبية نفسها، وأشارتا إلى أن واشنطن تحاول، من خلال هذه الإجراءات، منع تطبيق القوانين الأوروبية على الشركات الأمريكية العاملة في القارة، لا سيما تلك المتعلقة بتنظيم المحتوى ومكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت.
هذا الاتهام يعكس قلقا أوروبيا متناميا من أن تتحول السياسات الأمريكية إلى أداة ضغط لفرض رؤية أحادية لحرية التعبير، تتجاهل الأطر القانونية والتنظيمية المعمول بها في الاتحاد الأوروبي.
في بيان مشترك، شددت مديرتا هيت إيد على أن المنظمة لن تسمح بترهيبها، مؤكدة أن محاولات استخدام اتهامات الرقابة لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية التعبير لن تنجح، وأعلنتا أن المنظمة ستواصل عملها كمركز استشاري ونقطة دعم للضحايا بكل قوة، رغم الضغوط السياسية المتزايدة.
كما أعلنت المنظمة تضامنها مع جميع الأشخاص والجهات الأخرى المتضررة من إجراءات مماثلة، ومع كل من يخشى أن تطوله سياسات الحظر والمنع مستقبلا، معتبرة أن القضية لم تعد فردية بل باتت تمس جوهر العمل الحقوقي العابر للحدود.
مواجهة خطاب الكراهية
تعد هيت إيد من المنظمات الألمانية غير الربحية المعروفة بنشاطها في مواجهة خطاب الكراهية والتهديدات الرقمية، وتقدم المنظمة دعما نفسيا وقانونيا للأشخاص الذين يتعرضون لهجمات أو تهديدات عبر الإنترنت، كما تعمل على توعية المستخدمين بحقوقهم، وملاحقة الانتهاكات القانونية المرتبطة بالفضاء الرقمي.
وقد حظي هذا العمل بتقدير رسمي داخل ألمانيا، حيث حصلت آنا لينا فون هودنبرج في شهر أكتوبر الماضي على وسام الاستحقاق الألماني، تكريما لجهودها في الدفاع عن ضحايا العنف الرقمي وتعزيز ثقافة المسؤولية على الإنترنت.
كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت مساء الثلاثاء فرض حظر دخول وإقامة في الولايات المتحدة على 5 أشخاص، وصفتهم بأنهم نشطاء متطرفون، إلى جانب منظمات غير حكومية اعتبرتها مستغلة للنفوذ القانوني في دول أجنبية، وذكرت الوزارة أن هؤلاء دفعوا باتجاه إجراءات رقابية أجنبية تهدف، بحسب وصفها، إلى إجبار منصات أمريكية على قمع آراء لا تتماشى مع توجهاتهم.
هذا الإعلان جاء بصيغة حادة، ما أثار تساؤلات حول المعايير التي تعتمدها واشنطن لتصنيف المنظمات والأفراد، وحدود تدخلها في الشأن الحقوقي الدولي.
موقف وزير الخارجية الأمريكي
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو صعّد من حدة الخطاب، معتبرا أن أيديولوجيين في أوروبا قادوا، لفترة طويلة، جهودا منظمة لإجبار المنصات الأمريكية على معاقبة آراء أمريكية لا تناسبهم، وأكد أن الحكومة الأمريكية لن تتسامح بعد الآن مع ما وصفه بالرقابة خارج الحدود، معلنا فرض حظر دخول على شخصيات بارزة في ما سماه صناعة الرقابة العالمية.
كما لوّح روبيو بإمكانية توسيع قائمة الحظر في حال عدم حدوث تغيير في النهج الأوروبي تجاه تنظيم المحتوى والمنصات الرقمية، ما ينذر بمزيد من التوتر بين الجانبين.
يعكس هذا الخلاف صداما أعمق بين رؤيتين مختلفتين لحرية التعبير، ففي حين تميل الولايات المتحدة إلى تفسير واسع لهذا الحق، يحد من تدخل الدولة في تنظيم المحتوى، تعتمد أوروبا مقاربة أكثر توازنا، تربط حرية التعبير بمسؤولية قانونية تهدف إلى حماية الأفراد من خطاب الكراهية والتحريض.
منظمات حقوقية أوروبية ترى أن هذه المقاربة لا تمثل رقابة، بل التزاما بحماية الحقوق الأساسية، في حين تعتبرها أطراف أمريكية تهديدا مباشرا لحرية الرأي، ومحاولة لفرض معايير أوروبية على شركات أمريكية.
قلق حقوقي متزايد
يحذر مراقبون من أن استخدام حظر الدخول كأداة سياسية ضد مدافعين عن حقوق الإنسان قد يخلق سابقة خطيرة، ويقوض العمل الحقوقي الدولي، كما يرون أن استهداف منظمات غير ربحية بتهم فضفاضة قد يفتح الباب أمام تضييق أوسع على المجتمع المدني، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل عالميا.
وترى منظمات حقوقية أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى مناخ من الخوف والرقابة الذاتية، حيث يتردد النشطاء في التعبير عن مواقفهم خشية التعرض لعقوبات أو قيود على حركتهم.
على المستوى السياسي، قد تؤثر هذه القضية في العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة في ظل نقاشات متواصلة داخل الاتحاد الأوروبي حول تنظيم المنصات الرقمية، وحماية المستخدمين من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، ويخشى دبلوماسيون من أن يؤدي هذا التصعيد إلى تعقيد التعاون في ملفات أخرى، مثل الأمن الرقمي وحماية البيانات.
في المقابل، يرى مؤيدو الموقف الأمريكي أن واشنطن ترسل رسالة واضحة مفادها أنها لن تقبل بأي تدخل خارجي يمس ما تعتبره حرية التعبير الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب توتر العلاقات مع حلفائها التقليديين.
تأسست منظمة هيت إيد في ألمانيا لمواجهة خطاب الكراهية والعنف الرقمي، وتعمل منذ سنوات على تقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا، إضافة إلى الضغط من أجل تطبيق القوانين الأوروبية المتعلقة بتنظيم المحتوى على الإنترنت، وفي السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل بين الولايات المتحدة وأوروبا حول دور المنصات الرقمية الكبرى، وحدود مسؤوليتها القانونية.
ومع عودة إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تبني خطاب متشدد تجاه ما تصفه بالرقابة الأوروبية، بات هذا الملف نقطة اشتباك سياسية وحقوقية مفتوحة، ويعكس قرار حظر الدخول الأخير اتجاها متصاعدا نحو تسييس قضايا حرية التعبير، في عالم باتت فيه الحدود الرقمية أقل وضوحا من أي وقت مضى، بينما تبقى حقوق الإنسان في قلب هذا الصراع المعقد.











